خفايا العوائد وتأثيرها على الإنتاج كمًّا ونوعًا (١):

مقالات واعمدة صحفية

مقالات واعمدة صحفية _قناة اضواء

الرياض _ الجمعة الموافق ٢٠٢٥/٥/٣٠م

كتب المهندس حسب الرسول الأمين

خفايا العوائد وتأثيرها على الإنتاج كمًّا ونوعًا (١):

كتب المهندس حسب الرسول الامينقبل سنوات، كان قد بُثَّ برنامج من برامج المقالب، استُضيف فيه صحفيون وإعلاميون، وكان طابع البرنامج يقوم على تبخيس منتوج الضيف. ولن أقول "تباينت ردود أفعالهم"، بل تقاربت وتشابهت عنفًا وغضبًا وعدم تقبُّل، عدا قِلَّة منهم مثل الكاتب الصحفي د. سعد الدين إبراهيم، عليه رحمة الله.

وقد انطبع موقفه في ذاكرتي ولم يُمحَ، لأنه كان مختلفًا عن بقية الضيوف؛ إذ كان يناقش بعقلانية، ويحرر التهم بتجرُّد، هادفًا إلى الوصول لحقيقة ما أُلصق بمنتوجه، فيعمل على الإصلاح إن صحت الدعوى. فكان أن أفسد عليهم الحلقة بردة فعله الإيجابية المغايرة لأقرانه.

ومن ضمن ما سألوه في ختام الحلقة: لماذا لم يتخذ موقفًا دفاعيًا غاضبًا؟! فأجاب أنه تعامل مع الأمر بإيجابية، وحاول أن يفهم المشكلة، لا أن ينتصر لنفسه، ثم علّق بأننا كسودانيين كثيرًا ما تعيقنا مواريث تربَّينا عليها من عتاب الأسباب لا تقويم الذات، حتى إننا نصنع عوائق وأسبابًا متوهَّمة إن لم توجد. مثل أن نقول لطفلٍ بكى لارتطامه بالارض : "دي الأرض دي وقعتك؟ ليه يا الأرض توقعي فلان؟!"

قلت: وقد صدق الدكتور سعد الدين إبراهيم في قوله؛ فقد شاب الكبير، وشبَّ الصغير على هكذا عادات، حتى صبغت حياة العامة والخاصة.

فضَعف الإنتاج في أي نوعٍ من أنواع الإنتاج، لا تجد الكثيرين يعالجونه بتقويم الذات، فملف "لولا التعذُّرية" جاهز. وبذلك تعطَّلت كثير من القوى البشرية القادرة على تغيير معاش الناس لو أنهم غيَّروا عوائدهم.

ولم أرَ في عيوب الناس شيئًا

كنقص القادرين على التمام

وموضوع العوائد — من أعظم ما يُمايز به بين المجتمعات تحضرا وتخلفا ، بل هو روحها ودليلها. وعلى قدره تُصنَّف المجتمعات تحضُّرًا أو عدمه. فعلى قدره يأتي التمدُّن أو يغيب. ولن ينهض الناس إلا بتغيير عوائدهم. أما العمران والتكنولوجيا، فهي نتيجة العوائد لا سببها، وإلا فما تركه المستعمر الإنجليزي من العمران كان قمة التمدُّن وقتها، فما لبث أن تناقص ذلك العمران واضمحل بعد خروجهم لأن عوائد الذين ورثوه لم تتبدل.

وقد استفاض ابن خلدون في شرح ذلك في مقدمته، كلامًا مسبوكًا في فوائد عوائد المجتمعات ودورها في بناء الحضارات أو سقوطها. فكانت قراءته للتاريخ قراءةً مغايرةً، استحق بها أن يكون أبو علم الاجتماع.

والشاهد أن واقعنا الحالي يحتاج إلى نقدٍ للذات يُثمر معرفة ما يمكن أن نوظفه من جيد الطباع، وما يجب أن نغيره من سيئ العادات.

وهذا موضوع المقالات القادمة.

يتبع…

جميع الحقوق محفوظة

WWW.ADWAAMEDIA.COM