كتب المهندس حسب الرسول الأمين
مقال بعنوان/
خفايا العوايد وآثارها في الإنتاج كمًّا ونوعًا (٣)
الاستهلاك الحداثي (أ)
الرياض_الموافق ٢٠٢٥/٦/٤م__ [ اضواء]
العوائد تنسحب على الناس انسحاب الظل دون أن نشعر، فإذا قايسْتَ بين الحاضر والأزمنة المتصرّمة، أحسست كأنما المجتمع ليس هو المجتمع؛ فهي بطيئة الاستحكام، بطيئة الزوال، حتى إنها أصبحت مَزية الناجحين في كل ضربٍ وفن، لا يفصلهم عن غيرهم إلا المواظبة والانضباط، والذي هو عادة. فما يحصل للأفراد يحدث للشعوب.
ثقافة الاستهلاك، ومقابلها الذي لا تنفك عنه — أعني: ضعف الإنتاج — موجودة فينا، لم تُعالج بما يمحوها من عوائد الناس، لا بمجهود رسمي ولا شعبي، إلا قلة نخبوية مخنوقٌ صوتها بين جموع الناس، حتى استفحل الداء، فأصبح الصحيح هو السقيم في أعين الناس.
وقد ناقشتُ هذه المسألة بمثال القمح المستورد، ولعلي أن أستعير المقال هنا يومًا ما، ليكمل مع غيره صورًا لا تتضح إلا بالمثال.
وبالدرس والاستقراء، نجد استحكام هذه العادة؛ إذ لم تُستنهض لها العزائم لقلعها، بل رُويت بماء الرضا عن النفس، الذي أسلفنا ذكره في أول مقال: "وعين الرضا عن كل عيبٍ كليلة"، كما قال الشاعر.
فالأحزاب تسترضي الجماهير بنقد الحاكم، والحاكم يسترضي الجمهور بوعود الاستهلاك التي تقبلها أنفسهم، والجماهير قلةٌ فيهم من يُبصر عيب النفس.
وبين هذا وذاك، نقوص في رمالٍ متحركة من الاستهلاك، لا يزداد فيها الغبي العجول إلا مزيد ابتلاع، ولا ينجو منها إلا الحكيم المهول.
فلو تأمّلنا مثلًا مجتمعي الزراعي الذي خرجتُ منه، يتطوّر استهلاكيًّا؛ فبدل أن أُطوّر قِفاف السعف بصورة عصرية، أستخدم أخرى مصنّعة من الصين أو من خامٍ من خارج البلد. وبدل أن أُطوّر مكانس السعف، أتحوّل لمستهلكٍ لأخرى مصنّعة. وبدل أن أُحوّل المشاغل إلى صناعة رائجة، أُفضّل شراء المنتجات الجاهزة، الرديء منها والجيد. وبدل أن أُطوّر صناعة الجلود لتشمل الحاجة العصرية، أتركها في حدود "البلدي"، وأشتري المستورد — وهكذا في الكبير والنقير.
وإنْ تكلّمت بعض دوائر الإصلاح عن ركود مجالٍ من المجالات، تعلّلنا بحجة: (لا يدعم استيراد التقانة الحديثة). وليلحظ اللماح أن جوهر هذه العبارة هو الحاجة للاستهلاك؛ فالإشكال — كمسلّمة مغلوطة — خارجٌ عنهم أولًا، وليس في المقدور ثانيًا.
والسؤال النقدي الذي يجب أن نسأله: لماذا لا ننتج نحن التقانة بدل أن نستهلكها؟
الأمر يحتاج إلى مخلصين يقدّمون نماذج، لا تنظيرًا؛ لأن التنظير تلمح فيه الحقيقة قلةٌ من الناس، أمّا المشاهَد فيقنع الجميع.
بروز بعض الشباب في صناعة الواقع — على قلتهم — قد يكون بذارَ خيرٍ، عسى أن يتفتق عن زرعٍ ينفع الناس…
يتبع.
جميع الحقوق محفوظة ٢٠٢٥م
www.adwaamedia.com